السحر فى الطب النبوي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
السحر فى الطب النبوي
السحر فى الطب النبوي
بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فتح الباري شرح صحيح البخاري
كِتَاب الطب
باب الْكِهَانَةِ
باب السِّحْرِ
باب الشِّرْكُ وَالسِّحْرُ مِنْ الْمُوبِقَاتِ
باب هَلْ يَسْتَخْرِجُ السِّحْرَ
باب السِّحْرِ
باب إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْراً
باب الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ
باب الْكِهَانَةِ
الشرح:
قوله: (باب الكهانة) وقع في ابن بطال هنا " والسحر " وليس هو في نسخ
الصحيح فيما وقفت عليه، بل ترجمة السحر في باب مفرد عقب هذه، والكهانة -
بفتح الكاف ويجوز كسرها - ادعاء علم الغيب كالاخبار بما سيقع في الارض مع
الاستناد إلى سبب، والاصل فيها استراق السمع من كلام الملائكة، فيلقيه في
أذن الكاهن.
والكاهن لفظ يطلق على العراف، والذي يضرب بالحصى، والمنجم، ويطلق على من يقوم بأمر آخر ويسعى في قضاء حوائجه.
وقال في " المحكم ": الكاهن القاضي بالغيب.
وقال في " الجامع ": العرب تسمي كل من أذن بشيء قبل وقوعه كاهنا.
وقال الخطابي: الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية،
فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الامور، وساعدتهم بكل ما
تصل قدرتهم إليه.
وكانت الكهانة في الجاهلية فاشية خصوصا في العرب لانقطاع النبوة فيهم.
وهي على أصناف: منها ما يتلقونه من الجن، فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة
السماء فيركب بعضهم بعضا إلى أن يدنو الاعلى بحيث يسمع الكلام فيلقيه إلى
الذي يليه، إلى أن يتلقاه من يلقيه في أذن الكاهن فيزيد فيه، فلما جاء
الاسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين، وأرسلت عليهم الشهب، فبقي
من استراقهم ما يتخطفه الاعلى فيلقيه إلى الاسفل قبل أن يصيبه الشهاب، إلى
ذلك الاشارة بقوله تعالى (إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) .
وكانت إصابة الكهان قبل الاسلام كثيرة جدا كما جاء في أخبار شق وسطيح
ونحوهما، وأما في الاسلام فقد ندر ذلك جدا حتى كاد يضمحل ولله الحمد.
ثانيها ما يخبر الجني به من يواليه بما غاب عن غيره مما لا يطلع عليه الانسان غالبا، أو يطلع عليه من قرب منه لا من بعد.
ثالثها ما يستند إلى ظن وتخمين وحدس، وهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قوة مع كثرة الكذب فيه.
رابعها ما يستند إلى التجربة والعادة، فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك،
ومن هذا القسم الاخير ما يضاهي السحر، وقد يعتضد بعضهم في ذلك بالزجر
والطرق والنجوم، وكل ذلك مذموم شرعا.
وورد في ذم الكهانة ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة
رفعه " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد "
وله شاهد من حديث جابر وعمران بن حصين أخرجهما البزار بسندين جيدين
ولفظهما " من أتى كاهنا " وأخرجه مسلم من حديث امرأة من أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم - ومن الرواة من سماها حفصة - بلفظ " من أتى عرافا "
وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود بسند جيد، لكن لم يصرح برفعه، ومثله لا
يقال بالرأي، ولفظه " من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا " واتفقت ألفاظهم
على الوعيد بلفظ حديث أبي هريرة، إلا حديث مسلم فقال فيه " لم يقبل لهما
صلاة أربعين يوما".
ووقع عند الطبراني من حديث أنس بسند لين مرفوعا بلفظ " من أتى كاهنا فصدقه
بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل صلاته
أربعين يوما " والاحاديث الاول مع صحتها وكثرتها أولى من هذا، والوعيد جاء
تارة بعدم قبول الصلاة وتارة بالتكفير، فيحمل على حالين من الاتي أشار إلى
ذلك القرطبي.
والعراف بفتح المهملة وتشديد الراء من يستخرج الوقوف على المغيبات بضرب من فعل أو قول.
الحديث:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَضَى فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا فَرَمَتْ
إِحْدَاهُمَا الاخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ
فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا
فِي بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ
الَّتِي غَرِمَتْ كَيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا شَرِبَ
وَلا أَكَلَ وَلا نَطَقَ وَلا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ
الشرح:
قوله: (عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة) وساقه بطوله، كذا قال عبد
الرحمن بن خالد بن مسافر من رواية الليث عنه عن ابن شهاب، وفصل مالك عن
ابن شهاب قصة ولي المرأة فجعله من رواية ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلا
كما بينه المصنف في الطريق التي تلي طريق ابن مسافر هذه، وقد روى الليث عن
ابن شهاب أصل الحديث بدون الزيادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة موصولا
كما سيأتي في الديات، وكذا أخرج هناك طريق يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة
وسعيد معا عن أبي هريرة بأصل الحديث دون الزيادة، ويأتي شرح ما يتعلق
بالجنين والغرة هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (فقال ولي المرأة) هو حمل بفتح المهملة والميم الخفيفة ابن مالك ابن
النابغة الهذلي، بينه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي
سلمة معا عن أبي هريرة، وكنية حمل المذكور أبو نضلة، وهو صحابي نزل البصرة.
وفي رواية مالك " فقال الذي قضي عليه " أي قضي على من هي منه بسبيل.
وفي رواية الليث عن ابن شهاب المذكورة أن المرأة من بني لحيان، وبنو لحيان
حي من هذيل، وجاء تسمية الضرتين فيما أخرج أحمد من طريق عمرو بن تميم بن
عويم عن أبيه عن جده قال " كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف
بنت مسروح تحت حمل بن مالك ابن النابغة، فضربت أم عفيف مليكة بمسطح "
الحديث، لكن قال فيه " فقال العلاء بن مسروح: يا رسول الله، أنغرم من لا
شرب ولا أكل " الحديث، وفي آخره " أسجع كسجع الجاهلية " ويجمع بينهما بأن
كلا من زوج المرأة وهو حمل وأخيها وهو العلاء قال ذلك تواردا معا عليه،
لما تقرر عندهما أن الذي يودي هو الذي يخرج حيا، وأما السقط فلا يودي،
فأبطل الشرع ذلك وجعل فيه غرة، وسيأتي بيانه في كتاب الديات إن شاء الله
تعالى.
ووقع في رواية للطبراني أيضا أن الذي قال ذلك عمران بن عويم، فلعلها قصة أخرى.
وأم عفيف بمهملة وفاءين وزن عظيم، ووقع في المبهمات للخطيب، وأصله عند أبي
داود والنسائي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنها أم غطيف بغين ثم
طاء مهملة مصغر، فالله أعلم.
قوله: (كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل) في رواية مالك " من لا أكل ولا شرب " والاول أولى لمناسبة السجع.
ووقع في رواية الكشميهني في رواية مالك " ما لا " بدل " من لا " وهذا هو الذي في " الموطأ".
وقال أبو عثمان بن جني: معني قوله لا أكل أي لم يأكل، أقام الفعل الماضي مقام المضارع.
قوله: (فمثل ذلك يطل) للاكثر بضم المثناة التحتانية وفتح الطاء المهملة
وتشديد اللام أي يهدر، يقال دم فلان هدر إذا ترك الطلب بثأره، وطل الدم
بضم الطاء وبفتحها أيضا، وحكي " أطل " ولم يعرفه الاصمعي: ووقع للكشميهني
في رواية ابن مسافر " بطل " بفتح الموحدة والتخفيف من البطلان كذا رأيته
في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر، وزعم عياض أنه وقع هنا للجميع بالموحدة،
قال: وبالوجهين في الموطأ، وقد رجح الخطابي أنه من البطلان، وأنكره ابن
بطال فقال: كذا يقوله أهل الحديث، وإنما هو طل الدم إذا هدر.
قلت: وليس لانكاره معنى بعد ثبوت الرواية، وهو موجه، راجع إلى معنى الرواية الاخرى.
قوله: (إنما هذا من إخوان الكهان) أي لمشابهة كلامه كلامهم، زاد مسلم
والاسماعيلي من رواية يونس " من أجل سجعه الذي سجع " قال القرطبي: هو من
تفسير الراوي، وقد ورد مستند ذلك فيما أخرجه مسلم في حديث المغيرة بن شعبة
" فقال رجل من عصبة القاتلة يغرم " فذكر نحوه وفيه " فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أسجع كسجع الاعراب "؟ والسجع هو تناسب آخر الكلمات لفظا،
وأصله الاستواء، وفي الاصطلاح الكلام المقفى والجمع أسجاع وأساجيع، قال
ابن بطال: فيه ذم الكفار وذم من تشبه بهم في ألفاظهم، وإنما لم يعاقبه
لانه صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالصفح عن الجاهلين، وقد تمسك به من
كره السجع في الكلام، وليس على إطلاقه، بل المكروه منه ما يقع مع التكلف
في معرض مدافعة الحق، وأما ما يقع عفوا بلا تكلف في الامور المباحة فجائز،
وعلى ذلك يحمل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب
الدعوات.
والحاصل أنه إن جمع الامرين من التكلف وإبطال الحق كان مذموما، وإن اقتصر
على أحدهما كان أخف في الذم، ويخرج من ذلك تقسيمه إلى أربعة أنواع:
فالمحمود ما جاء عفوا في حق، ودونه ما يقع متكلفا في حق أيضا، والمذموم
عكسهما.
وفي الحديث من الفوائد أيضا رفع الجناية للحاكم، ووجوب الدية في الجنين
ولو خرج ميتا كما سيأتي تقريره في كتاب الديات مع استيفاء فوائده.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ
عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ
وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ
الشرح:
حديث أبي مسعود، وهو عقبة بن عمرو، في النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن، وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب البيع.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَاسٌ عَنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَقَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَاناً بِشَيْءٍ فَيَكُونُ
حَقّاً
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ
الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا مِنْ الْجِنِّيِّ فَيَقُرُّهَا فِي
أُذُنِ وَلِيِّهِ فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ قَالَ عَلِيٌّ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلٌ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ ثُمَّ
بَلَغَنِي أَنَّهُ أَسْنَدَهُ بَعْدَهُ
الشرح:
قوله: (عن يحيى بن عروة بن الزبير عن عروة) كأن هذا مما فات الزهري سماعه
من عروة فحمله عن ولده عنه، مع كثرة ما عن الزهري عن عروة، وقد وصفه
الزهري بسعة العلم، ووقع في رواية معقل بن عبيد الله عند مسلم عن الزهري "
أخبرني يحيى بن عروة أنه سمع عروة " وكذا للمصنف في التوحيد من طريق يونس،
وفي الادب من طريق ابن جريج كلاهما عن ابن شهاب، ولم أقف ليحيى بن عروة في
البخاري إلا على هذا الحديث، وقد روى بعض هذا الحديث محمد بن عبد الرحمن
أبو الاسود عن عروة وتقدم موصولا في بدء الخلق، وكذا هشام بن عروة عن أبيه
به.
قوله: (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية الكشميهني " سأل ناس
رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكذا هو في رواية يونس، وعند مسلم من
رواية معقل مثله ومن رواية معقل مثل الذي قبله، وقد سمي ممن سأل عن ذلك
معاوية بن الحكم السلمي كما أخرجه مسلم من حديثه " قال قلت يا رسول الله،
أمورا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان، فقال: لا تأتوا الكهان "
الحديث.
وقال الخطابي هؤلاء الكهان فيما علم بشهادة الامتحان قوم لهم أذهان حادة
ونفوس شريرة وطبائع نارية، فهم يفزعون إلى الجن في أمورهم ويستفتونهم في
الحوادث فيلقون إليهم الكلمات، ثم تعرض إلى مناسبة ذكر الشعراء بعد ذكرهم
في قوله تعالى: (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين) .
قوله: (فقال ليس بشيء) في رواية مسلم " ليسوا بشيء"، وكذا في رواية يونس
في التوحيد، وفي نسخة " فقال لهم ليسوا بشيء " أي ليس قولهم بشيء يعتمد
عليه، والعرب تقول لمن عمل شيئا ولم يحكمه: ما عمل شيئا، قال القرطبي:
كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع والاحكام ويرجعون إلى
أقوالهم، وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية، لكن بقي في الوجود من
يتشبه بهم، وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم.
قوله: (إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا) في رواية يونس " فإنهم
يتحدثون " هذا أورده السائل إشكالا على عموم قوله " ليسوا بشيء " لانه فهم
أنهم لا يصدقون أصلا فأجابه صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك الصدق، وأنه
إذا اتفق أن يصدق لم يتركه خالصا بل يشوبه بالكذب.
قوله: (تلك الكلمة من الحق) كذا في البخاري بمهملة وقاف أي الكلمة
المسموعة التي تقع حقا، ووقع في مسلم " تلك الكلمة من الجن " قال النووي:
كذا في نسخ بلادنا بالجيم والنون، أي الكلمة المسموعة من الجن أو التي تصح
مما نقلته الجن.
قلت: التقدير الثاني يوافق رواية البخاري، قال النووي: وقد حكى عياض أنه وقع يعني في مسلم بالحاء والقاف.
قوله: (يخطفها الجني) كذا للاكثر.
وفي رواية السرخسي " يخطفها من الجني " أي الكاهن يخطفها من الجني أو
الجني الذي يلقى الكاهن يخطفها من جني آخر فوقه، ويخطفها بخاء معجمة وطاء
مفتوحة وقد تكسر بعدها فاء ومعناه الاخذ بسرعة.
وفي رواية الكشميهني " يحفظها " بتقديم الفاء بعدها ظاء معجمة والاول هو المعروف والله أعلم.
قوله (فيقرها) بفتح أوله وثانيه وتشديد الراء أي يصبها، تقول قررت على
رأسه دلوا إذا صببته، فكأنه صب في أذنه ذلك الكلام، قال القرطبي: ويصح أن
يقال المعنى ألقاها في أذنه بصوت، يقال قر الطائر إذا صوت انتهى.
ووقع في رواية يونس المذكورة " فيقرقرها " أي يرددها، يقال قرقرت الدجاجة
تقرقر قرقرة إذا رددت صوتها، قال الخطابي: ويقال أيضا قرت الدجاجة تقر قرا
وقريرا، وإذا رجعت في صوتها قيل قرقرت قرقرة وقرقريرة، قال: والمعني أن
الجني إذا ألقى الكلمة لوليه تسامع بها الشياطين فتناقلوها كما إذا صوتت
الدجاجة فسمعها الدجاج فجاوبتها.
وتعقبه القرطبي بأن الاشبه بمساق الحديث أن الجني يلقي الكلمة إلى وليه
بصوت خفي متراجع له زمزمة ويرجعه له، فلذلك يقع كلام الكهان غالبا على هذا
النمط، وقد تقدم شيء من ذلك في أواخر الجنائز في قصة ابن صياد وبيان
اختلاف الرواة في قوله " في قطيفة له فيها زمزمة " وأطلق على الكاهن ولي
الجني لكونه يواليه أو عدل عن قوله الكاهن إلى قوله وليه للتعميم في
الكاهن وغيره ممن يوالي الجن.
قال الخطابي بين صلى الله عليه وسلم أن إصابة الكاهن أحيانا إنما هي لان
الجني يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استراقا من الملائكة فيزيد عليها
أكاذيب يقيسها على ما سمع، فربما أصاب نادرا وخطؤه الغالب، وقوله في رواية
يونس " كقرقرة الدجاجة " يعني الطائر المعروف، ودالها مثلثة والاشهر فيها
الفتح، ووقع في رواية المستملي " الزجاجة " بالزاي المضمومة وأنكرها الدار
قطني وعدها في التصحيف، لكن وقع في حديث الباب من وجه آخر تقدم في " باب
ذكر الملائكة " قي كتاب بدء الخلق " فيقرها في أذنه كما تقر القارورة "
وشرحوه على أن معناه كما يسمع صوت الزجاجة إذا حلت على شيء أو ألقي فيها
شيء.
وقال القابسي: المعنى أنه يكون لما يلقيه الجني إلى الكاهن حس كحس القارورة إذا حركت باليد أو على الصفا.
وقال الخطابي: المعنى أنه يطبق به كما يطبق رأس القارورة برأس الوعاء الذي يفرغ فيه منها ما فيها.
وأغرب شارح " المصابيح " التوربشتي فقال: الرواية بالزاي أحوط لما ثبت في
الرواية الاخرى " كما تقر القارورة " واستعمال قر في ذلك شائع بخلاف ما
فسروا عليه الحديث فإنه غير مشهور ولم نجد له شاهدا في كلامهم، فدل على أن
الرواية بالدال تصحيف أو غلط من السامع.
6
بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فتح الباري شرح صحيح البخاري
كِتَاب الطب
باب الْكِهَانَةِ
باب السِّحْرِ
باب الشِّرْكُ وَالسِّحْرُ مِنْ الْمُوبِقَاتِ
باب هَلْ يَسْتَخْرِجُ السِّحْرَ
باب السِّحْرِ
باب إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْراً
باب الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ
باب الْكِهَانَةِ
الشرح:
قوله: (باب الكهانة) وقع في ابن بطال هنا " والسحر " وليس هو في نسخ
الصحيح فيما وقفت عليه، بل ترجمة السحر في باب مفرد عقب هذه، والكهانة -
بفتح الكاف ويجوز كسرها - ادعاء علم الغيب كالاخبار بما سيقع في الارض مع
الاستناد إلى سبب، والاصل فيها استراق السمع من كلام الملائكة، فيلقيه في
أذن الكاهن.
والكاهن لفظ يطلق على العراف، والذي يضرب بالحصى، والمنجم، ويطلق على من يقوم بأمر آخر ويسعى في قضاء حوائجه.
وقال في " المحكم ": الكاهن القاضي بالغيب.
وقال في " الجامع ": العرب تسمي كل من أذن بشيء قبل وقوعه كاهنا.
وقال الخطابي: الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية،
فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الامور، وساعدتهم بكل ما
تصل قدرتهم إليه.
وكانت الكهانة في الجاهلية فاشية خصوصا في العرب لانقطاع النبوة فيهم.
وهي على أصناف: منها ما يتلقونه من الجن، فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة
السماء فيركب بعضهم بعضا إلى أن يدنو الاعلى بحيث يسمع الكلام فيلقيه إلى
الذي يليه، إلى أن يتلقاه من يلقيه في أذن الكاهن فيزيد فيه، فلما جاء
الاسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين، وأرسلت عليهم الشهب، فبقي
من استراقهم ما يتخطفه الاعلى فيلقيه إلى الاسفل قبل أن يصيبه الشهاب، إلى
ذلك الاشارة بقوله تعالى (إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) .
وكانت إصابة الكهان قبل الاسلام كثيرة جدا كما جاء في أخبار شق وسطيح
ونحوهما، وأما في الاسلام فقد ندر ذلك جدا حتى كاد يضمحل ولله الحمد.
ثانيها ما يخبر الجني به من يواليه بما غاب عن غيره مما لا يطلع عليه الانسان غالبا، أو يطلع عليه من قرب منه لا من بعد.
ثالثها ما يستند إلى ظن وتخمين وحدس، وهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قوة مع كثرة الكذب فيه.
رابعها ما يستند إلى التجربة والعادة، فيستدل على الحادث بما وقع قبل ذلك،
ومن هذا القسم الاخير ما يضاهي السحر، وقد يعتضد بعضهم في ذلك بالزجر
والطرق والنجوم، وكل ذلك مذموم شرعا.
وورد في ذم الكهانة ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة
رفعه " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد "
وله شاهد من حديث جابر وعمران بن حصين أخرجهما البزار بسندين جيدين
ولفظهما " من أتى كاهنا " وأخرجه مسلم من حديث امرأة من أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم - ومن الرواة من سماها حفصة - بلفظ " من أتى عرافا "
وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود بسند جيد، لكن لم يصرح برفعه، ومثله لا
يقال بالرأي، ولفظه " من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا " واتفقت ألفاظهم
على الوعيد بلفظ حديث أبي هريرة، إلا حديث مسلم فقال فيه " لم يقبل لهما
صلاة أربعين يوما".
ووقع عند الطبراني من حديث أنس بسند لين مرفوعا بلفظ " من أتى كاهنا فصدقه
بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل صلاته
أربعين يوما " والاحاديث الاول مع صحتها وكثرتها أولى من هذا، والوعيد جاء
تارة بعدم قبول الصلاة وتارة بالتكفير، فيحمل على حالين من الاتي أشار إلى
ذلك القرطبي.
والعراف بفتح المهملة وتشديد الراء من يستخرج الوقوف على المغيبات بضرب من فعل أو قول.
الحديث:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَضَى فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا فَرَمَتْ
إِحْدَاهُمَا الاخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ
فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا
فِي بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ
الَّتِي غَرِمَتْ كَيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا شَرِبَ
وَلا أَكَلَ وَلا نَطَقَ وَلا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ
الشرح:
قوله: (عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة) وساقه بطوله، كذا قال عبد
الرحمن بن خالد بن مسافر من رواية الليث عنه عن ابن شهاب، وفصل مالك عن
ابن شهاب قصة ولي المرأة فجعله من رواية ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلا
كما بينه المصنف في الطريق التي تلي طريق ابن مسافر هذه، وقد روى الليث عن
ابن شهاب أصل الحديث بدون الزيادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة موصولا
كما سيأتي في الديات، وكذا أخرج هناك طريق يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة
وسعيد معا عن أبي هريرة بأصل الحديث دون الزيادة، ويأتي شرح ما يتعلق
بالجنين والغرة هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (فقال ولي المرأة) هو حمل بفتح المهملة والميم الخفيفة ابن مالك ابن
النابغة الهذلي، بينه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي
سلمة معا عن أبي هريرة، وكنية حمل المذكور أبو نضلة، وهو صحابي نزل البصرة.
وفي رواية مالك " فقال الذي قضي عليه " أي قضي على من هي منه بسبيل.
وفي رواية الليث عن ابن شهاب المذكورة أن المرأة من بني لحيان، وبنو لحيان
حي من هذيل، وجاء تسمية الضرتين فيما أخرج أحمد من طريق عمرو بن تميم بن
عويم عن أبيه عن جده قال " كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف
بنت مسروح تحت حمل بن مالك ابن النابغة، فضربت أم عفيف مليكة بمسطح "
الحديث، لكن قال فيه " فقال العلاء بن مسروح: يا رسول الله، أنغرم من لا
شرب ولا أكل " الحديث، وفي آخره " أسجع كسجع الجاهلية " ويجمع بينهما بأن
كلا من زوج المرأة وهو حمل وأخيها وهو العلاء قال ذلك تواردا معا عليه،
لما تقرر عندهما أن الذي يودي هو الذي يخرج حيا، وأما السقط فلا يودي،
فأبطل الشرع ذلك وجعل فيه غرة، وسيأتي بيانه في كتاب الديات إن شاء الله
تعالى.
ووقع في رواية للطبراني أيضا أن الذي قال ذلك عمران بن عويم، فلعلها قصة أخرى.
وأم عفيف بمهملة وفاءين وزن عظيم، ووقع في المبهمات للخطيب، وأصله عند أبي
داود والنسائي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنها أم غطيف بغين ثم
طاء مهملة مصغر، فالله أعلم.
قوله: (كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل) في رواية مالك " من لا أكل ولا شرب " والاول أولى لمناسبة السجع.
ووقع في رواية الكشميهني في رواية مالك " ما لا " بدل " من لا " وهذا هو الذي في " الموطأ".
وقال أبو عثمان بن جني: معني قوله لا أكل أي لم يأكل، أقام الفعل الماضي مقام المضارع.
قوله: (فمثل ذلك يطل) للاكثر بضم المثناة التحتانية وفتح الطاء المهملة
وتشديد اللام أي يهدر، يقال دم فلان هدر إذا ترك الطلب بثأره، وطل الدم
بضم الطاء وبفتحها أيضا، وحكي " أطل " ولم يعرفه الاصمعي: ووقع للكشميهني
في رواية ابن مسافر " بطل " بفتح الموحدة والتخفيف من البطلان كذا رأيته
في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر، وزعم عياض أنه وقع هنا للجميع بالموحدة،
قال: وبالوجهين في الموطأ، وقد رجح الخطابي أنه من البطلان، وأنكره ابن
بطال فقال: كذا يقوله أهل الحديث، وإنما هو طل الدم إذا هدر.
قلت: وليس لانكاره معنى بعد ثبوت الرواية، وهو موجه، راجع إلى معنى الرواية الاخرى.
قوله: (إنما هذا من إخوان الكهان) أي لمشابهة كلامه كلامهم، زاد مسلم
والاسماعيلي من رواية يونس " من أجل سجعه الذي سجع " قال القرطبي: هو من
تفسير الراوي، وقد ورد مستند ذلك فيما أخرجه مسلم في حديث المغيرة بن شعبة
" فقال رجل من عصبة القاتلة يغرم " فذكر نحوه وفيه " فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أسجع كسجع الاعراب "؟ والسجع هو تناسب آخر الكلمات لفظا،
وأصله الاستواء، وفي الاصطلاح الكلام المقفى والجمع أسجاع وأساجيع، قال
ابن بطال: فيه ذم الكفار وذم من تشبه بهم في ألفاظهم، وإنما لم يعاقبه
لانه صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالصفح عن الجاهلين، وقد تمسك به من
كره السجع في الكلام، وليس على إطلاقه، بل المكروه منه ما يقع مع التكلف
في معرض مدافعة الحق، وأما ما يقع عفوا بلا تكلف في الامور المباحة فجائز،
وعلى ذلك يحمل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب
الدعوات.
والحاصل أنه إن جمع الامرين من التكلف وإبطال الحق كان مذموما، وإن اقتصر
على أحدهما كان أخف في الذم، ويخرج من ذلك تقسيمه إلى أربعة أنواع:
فالمحمود ما جاء عفوا في حق، ودونه ما يقع متكلفا في حق أيضا، والمذموم
عكسهما.
وفي الحديث من الفوائد أيضا رفع الجناية للحاكم، ووجوب الدية في الجنين
ولو خرج ميتا كما سيأتي تقريره في كتاب الديات مع استيفاء فوائده.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ
عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ
وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ
الشرح:
حديث أبي مسعود، وهو عقبة بن عمرو، في النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن، وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب البيع.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَاسٌ عَنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَقَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَاناً بِشَيْءٍ فَيَكُونُ
حَقّاً
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ
الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا مِنْ الْجِنِّيِّ فَيَقُرُّهَا فِي
أُذُنِ وَلِيِّهِ فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ قَالَ عَلِيٌّ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلٌ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ ثُمَّ
بَلَغَنِي أَنَّهُ أَسْنَدَهُ بَعْدَهُ
الشرح:
قوله: (عن يحيى بن عروة بن الزبير عن عروة) كأن هذا مما فات الزهري سماعه
من عروة فحمله عن ولده عنه، مع كثرة ما عن الزهري عن عروة، وقد وصفه
الزهري بسعة العلم، ووقع في رواية معقل بن عبيد الله عند مسلم عن الزهري "
أخبرني يحيى بن عروة أنه سمع عروة " وكذا للمصنف في التوحيد من طريق يونس،
وفي الادب من طريق ابن جريج كلاهما عن ابن شهاب، ولم أقف ليحيى بن عروة في
البخاري إلا على هذا الحديث، وقد روى بعض هذا الحديث محمد بن عبد الرحمن
أبو الاسود عن عروة وتقدم موصولا في بدء الخلق، وكذا هشام بن عروة عن أبيه
به.
قوله: (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية الكشميهني " سأل ناس
رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكذا هو في رواية يونس، وعند مسلم من
رواية معقل مثله ومن رواية معقل مثل الذي قبله، وقد سمي ممن سأل عن ذلك
معاوية بن الحكم السلمي كما أخرجه مسلم من حديثه " قال قلت يا رسول الله،
أمورا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان، فقال: لا تأتوا الكهان "
الحديث.
وقال الخطابي هؤلاء الكهان فيما علم بشهادة الامتحان قوم لهم أذهان حادة
ونفوس شريرة وطبائع نارية، فهم يفزعون إلى الجن في أمورهم ويستفتونهم في
الحوادث فيلقون إليهم الكلمات، ثم تعرض إلى مناسبة ذكر الشعراء بعد ذكرهم
في قوله تعالى: (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين) .
قوله: (فقال ليس بشيء) في رواية مسلم " ليسوا بشيء"، وكذا في رواية يونس
في التوحيد، وفي نسخة " فقال لهم ليسوا بشيء " أي ليس قولهم بشيء يعتمد
عليه، والعرب تقول لمن عمل شيئا ولم يحكمه: ما عمل شيئا، قال القرطبي:
كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع والاحكام ويرجعون إلى
أقوالهم، وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية، لكن بقي في الوجود من
يتشبه بهم، وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم.
قوله: (إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا) في رواية يونس " فإنهم
يتحدثون " هذا أورده السائل إشكالا على عموم قوله " ليسوا بشيء " لانه فهم
أنهم لا يصدقون أصلا فأجابه صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك الصدق، وأنه
إذا اتفق أن يصدق لم يتركه خالصا بل يشوبه بالكذب.
قوله: (تلك الكلمة من الحق) كذا في البخاري بمهملة وقاف أي الكلمة
المسموعة التي تقع حقا، ووقع في مسلم " تلك الكلمة من الجن " قال النووي:
كذا في نسخ بلادنا بالجيم والنون، أي الكلمة المسموعة من الجن أو التي تصح
مما نقلته الجن.
قلت: التقدير الثاني يوافق رواية البخاري، قال النووي: وقد حكى عياض أنه وقع يعني في مسلم بالحاء والقاف.
قوله: (يخطفها الجني) كذا للاكثر.
وفي رواية السرخسي " يخطفها من الجني " أي الكاهن يخطفها من الجني أو
الجني الذي يلقى الكاهن يخطفها من جني آخر فوقه، ويخطفها بخاء معجمة وطاء
مفتوحة وقد تكسر بعدها فاء ومعناه الاخذ بسرعة.
وفي رواية الكشميهني " يحفظها " بتقديم الفاء بعدها ظاء معجمة والاول هو المعروف والله أعلم.
قوله (فيقرها) بفتح أوله وثانيه وتشديد الراء أي يصبها، تقول قررت على
رأسه دلوا إذا صببته، فكأنه صب في أذنه ذلك الكلام، قال القرطبي: ويصح أن
يقال المعنى ألقاها في أذنه بصوت، يقال قر الطائر إذا صوت انتهى.
ووقع في رواية يونس المذكورة " فيقرقرها " أي يرددها، يقال قرقرت الدجاجة
تقرقر قرقرة إذا رددت صوتها، قال الخطابي: ويقال أيضا قرت الدجاجة تقر قرا
وقريرا، وإذا رجعت في صوتها قيل قرقرت قرقرة وقرقريرة، قال: والمعني أن
الجني إذا ألقى الكلمة لوليه تسامع بها الشياطين فتناقلوها كما إذا صوتت
الدجاجة فسمعها الدجاج فجاوبتها.
وتعقبه القرطبي بأن الاشبه بمساق الحديث أن الجني يلقي الكلمة إلى وليه
بصوت خفي متراجع له زمزمة ويرجعه له، فلذلك يقع كلام الكهان غالبا على هذا
النمط، وقد تقدم شيء من ذلك في أواخر الجنائز في قصة ابن صياد وبيان
اختلاف الرواة في قوله " في قطيفة له فيها زمزمة " وأطلق على الكاهن ولي
الجني لكونه يواليه أو عدل عن قوله الكاهن إلى قوله وليه للتعميم في
الكاهن وغيره ممن يوالي الجن.
قال الخطابي بين صلى الله عليه وسلم أن إصابة الكاهن أحيانا إنما هي لان
الجني يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استراقا من الملائكة فيزيد عليها
أكاذيب يقيسها على ما سمع، فربما أصاب نادرا وخطؤه الغالب، وقوله في رواية
يونس " كقرقرة الدجاجة " يعني الطائر المعروف، ودالها مثلثة والاشهر فيها
الفتح، ووقع في رواية المستملي " الزجاجة " بالزاي المضمومة وأنكرها الدار
قطني وعدها في التصحيف، لكن وقع في حديث الباب من وجه آخر تقدم في " باب
ذكر الملائكة " قي كتاب بدء الخلق " فيقرها في أذنه كما تقر القارورة "
وشرحوه على أن معناه كما يسمع صوت الزجاجة إذا حلت على شيء أو ألقي فيها
شيء.
وقال القابسي: المعنى أنه يكون لما يلقيه الجني إلى الكاهن حس كحس القارورة إذا حركت باليد أو على الصفا.
وقال الخطابي: المعنى أنه يطبق به كما يطبق رأس القارورة برأس الوعاء الذي يفرغ فيه منها ما فيها.
وأغرب شارح " المصابيح " التوربشتي فقال: الرواية بالزاي أحوط لما ثبت في
الرواية الاخرى " كما تقر القارورة " واستعمال قر في ذلك شائع بخلاف ما
فسروا عليه الحديث فإنه غير مشهور ولم نجد له شاهدا في كلامهم، فدل على أن
الرواية بالدال تصحيف أو غلط من السامع.
6
............................
رد: السحر فى الطب النبوي
موضوع رائع
لك كل الود والاحترام
الفجر البعيد- سـَـاحـِر فِضْـــى
- عدد المساهمات : 347
نقاط : 347
السٌّمعَة : 50
تاريخ التسجيل : 09/01/2011
العمر : 34
مواضيع مماثلة
» السحر فى الطب النبوي
» مفهوم الطب النبوى وعلم الطب النبوي
» الاعشاب التي ذكرت في الطب النبوي
» في الطب ،، الطب الحقيقي ،،
» بناء المسجد النبوي
» مفهوم الطب النبوى وعلم الطب النبوي
» الاعشاب التي ذكرت في الطب النبوي
» في الطب ،، الطب الحقيقي ،،
» بناء المسجد النبوي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت أكتوبر 26, 2024 8:10 pm من طرف malsalhi81
» سحر للتفريق مجرب سريع مضمون النتيجة
السبت أكتوبر 26, 2024 8:10 pm من طرف malsalhi81
» طلسم يكتب للسيطرة على أى شخص تريدة
السبت أكتوبر 26, 2024 8:09 pm من طرف malsalhi81
» جلب الحبيب للمعاشرة فى 24 ساعة مجرب سهل
السبت أكتوبر 26, 2024 8:09 pm من طرف malsalhi81
» سحر طلاق مجرب سريع مضمون النتيجة
السبت أكتوبر 26, 2024 8:08 pm من طرف malsalhi81
» سحر طلاق فى 24 ساعة مجرب سريع
السبت أكتوبر 26, 2024 8:08 pm من طرف malsalhi81
» جلب الحبيب للجماع سريع مجرب
السبت أكتوبر 26, 2024 8:08 pm من طرف malsalhi81
» سحر تفريق مجرب سريع
السبت أكتوبر 26, 2024 8:07 pm من طرف malsalhi81
» سحر الموت و سحر الهلاك
السبت أكتوبر 26, 2024 8:07 pm من طرف malsalhi81
» تهييج الحبيب للمعاشرة وممارسة الجنس
السبت أكتوبر 26, 2024 8:07 pm من طرف malsalhi81
» طلسم يكتب ويحمل لجلب النساء لممارسة الجنس
السبت أكتوبر 26, 2024 8:06 pm من طرف malsalhi81
» طلسم السيطرة على شخص ما
السبت أكتوبر 26, 2024 8:05 pm من طرف malsalhi81
» طلسم يكتب ويحمل لجلب المرآة للجماع
السبت أكتوبر 26, 2024 8:05 pm من طرف malsalhi81
» طلسم لجلب الحبيب للمعاشرة مجرب
السبت أكتوبر 26, 2024 8:04 pm من طرف malsalhi81
» طلسم للتفريق بين شخصين سريع مجرب
السبت أكتوبر 26, 2024 8:04 pm من طرف malsalhi81
» طلسم جلب الحبيب للجماع فى 24 ساعة مجرب مضمون النتيجة
السبت أكتوبر 26, 2024 8:04 pm من طرف malsalhi81
» طلسم جلب الحبيب للنكاح فى 24 ساعة
السبت أكتوبر 26, 2024 8:03 pm من طرف malsalhi81
» طلسم تسخير من تريد للجماع مجرب
السبت أكتوبر 26, 2024 8:03 pm من طرف malsalhi81
» كيفية جلب النساء للمعاشرة
السبت أكتوبر 26, 2024 8:03 pm من طرف malsalhi81
» سحر تفريق بين شخصين مجرب سريع
السبت أكتوبر 26, 2024 8:02 pm من طرف malsalhi81
» طلسم للطلاق مجرب سريع فى 48 ساعة
السبت أكتوبر 26, 2024 8:02 pm من طرف malsalhi81
» طلسم جلب الحبيب للمعاشرة
السبت أكتوبر 26, 2024 8:02 pm من طرف malsalhi81
» جلب الحبيب الغضبان للجماع طائع زليل مسلوب الارادة
السبت أكتوبر 26, 2024 8:01 pm من طرف malsalhi81
» جلب الحبيب للجماع مجرب سريع
السبت أكتوبر 26, 2024 8:01 pm من طرف malsalhi81
» سحر تهييج الحبيب للنكاح فى 24 ساعة مجرب سريع
السبت أكتوبر 26, 2024 8:01 pm من طرف malsalhi81